كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجيب عنه بأن المخطىء ليس بمؤاخذ على ذلك الفعل، فكيف يصير غيره مؤاخذًا بسبب ذلك الفعل، بل ذلك تكليف واقع على سبيل الابتداء من الله تعالى.
المسألة الثالثة:
قال أصحابنا وجوب شكر المنعم لا يثبت بالعقل بل بالسمع، والدليل عليه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} وجه الاستدلال أن الوجوب لا تتقرر ماهيته إلا بترتيب العقاب على الترك، ولا عقاب قبل الشرع بحكم هذه الآية، فوجب أن لا يتحقق الوجوب قبل الشرع.
ثم أكدوا هذه الآية بقوله تعالى: {رُّسُلًا مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165] وبقوله: {وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءاياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} [طه: 134].
ولقائل أن يقول: هذا الاستدلال ضعيف، وبيانه من وجهين: الأول: أن نقول: لو لم يثبت الوجوب العقلي لم يثبت الوجوب الشرعي ألبتة، وهذا باطل فذاك باطل بيان الملازمة من وجوه: أحدها: أنه إذا جاء المشرع وادعى كونه نبيًا من عند الله تعالى وأظهر المعجزة، فهل يجب على المستمع استماع قوله والتأمل في معجزاته أو لا يجب؟ فإن لم يجب فقد بطل القول بالنبوة.
وإن وجب، فإما أن يجب بالعقل أو بالشرع فإن وجب بالعقل فقد ثبت الوجوب العقلي، وإن وجب بالشرع فهو باطل، لأن ذلك الشرع إما أن يكون هو ذلك المدعي أو غيره، والأول باطل لأنه يرجع حاصل الكلام إلى أن ذلك الرجل يقول: الدليل على أنه يجب قبول قولي أني أقول إنه يجب قبول قولي، وهذا إثبات للشيء بنفسه، وإن كان ذلك الشارع غيره كان الكلام فيه كما في الأول: ولزم إما الدور أو التسلسل وهما محالان.
وثانيها: أن الشرع إذا جاء وأوجب بعض الأفعال، وحرم بعضها فلا معنى للإيجاب والتحريم، إلا أن يقول: لو تركت كذا وفعلت كذا لعاقبتك فنقول: إما أن يجب عليه الاحتراز عن العقاب أو لا يجب، فلو لم يجب عليه الاحتراز عن العقاب لم يتقرر معنى الوجوب ألبتة، وهذا باطل فذاك باطل، وإن وجب عليه الاحتراز عن العقاب، فإما أن يجب بالعقل أو بالسمع، فإن وجب بالعقل فهو المقصود، وإن وجب بالسمع لم يتقرر معنى هذا الوجوب إلا بسبب ترتيب العقاب عليه، وحينئذ يعود التقسيم الأول ويلزم التسلسل وهو محال.
وثالثها: أن مذهب أهل السنة أنه يجوز من الله تعالى أن يعفو عن العقاب على ترك الواجب وإذا كان كذلك كانت ماهية الوجوب حاصلة مع عدم العقاب، فلم يبق إلا أن يقال: إن ماهية الواجب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من العقاب، وهذا الخوف حاصل بمحض العقل، فثبت أن ماهية الوجوب إنما تحصل بسبب هذا الخوف، وثبت أن هذا الخوف حاصل بمجرد العقل، فلزم أن يقال: الوجوب حاصل بمحض العقل.
فإن قالوا: ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم؟
قلنا: إنه تعالى إذا عفا فقد سقط الذم، فعلى هذا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم وذلك حاصل بمحض العقل، فثبت بهذه الوجوه أن الوجوب العقلي لا يمكن دفعه.
وإذا ثبت هذا فنقول: في الآية قولان: الأول: أن نجري الآية على ظاهرها.
ونقول: العقل هو رسول الله إلى الخلق، بل هو الرسول الذي لولاه لما تقررت رسالة أحد من الأنبياء، فالعقل هو الرسول الأصلي، فكان معنى الآية وما كنا معذبين حتى نبعث رسول العقل.
والثاني: أن نخصص عموم الآية فنقول: المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفة وجوبها إلا بالشرع إلا بعد مجيء الشرع، وتخصيص العموم وإن كان عدولًا عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه عند قيام الدلائل، وقد بينا قيام الدلائل الثلاثة، على أنا لو نفينا الوجوب العقلي لزمنا نفي الوجوب الشرعي، والله أعلم.
واعلم أن الذي نرتضيه ونذهب إليه أن مجرد العقل سبب في أن يجب علينا فعل ما ينتفع به، وترك ما يتضرر به، أما مجرد العقل لا يدل على أنه يجب على الله تعالى شيء.
وذلك لأنا مجبولون على طلب النفع والاحتراز عن الضرر، فلا جرم كان العقل وحده كافيًا في الوجوب في حقنا والله تعالى منزه عن طلب النفع والهرب من الضرر، فامتنع أن يحكم العقل عليه بوجوب فعل أو ترك فعل، والله أعلم.
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} في تفسير هذا الأمر قولان:
القول الأول: أن المراد منه الأمر بالفعل، ثم إن لفظ الآية لا يدل على أنه تعالى بماذا يأمرهم فقال الأكثرون: معناه أنه تعالى يأمرهم بالطاعات والخيرات، ثم إنهم يخالفون ذلك الأمر ويفسقون وقال صاحب الكشاف: ظاهر اللفظ يدل على أنه تعالى يأمرهم بالفسق فيفسقون، إلا أن هذا مجاز ومعناه أنه فتح عليهم أبواب الخيرات والراحات فعند ذلك تمردوا وطغوا وبغوا قال والدليل على أن ظاهر اللفظ يقتضي ما ذكرناه، أن المأمور به إنما حذف لأن قوله؛ {فَفَسَقُواْ} يدل عليه يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ لا يفهم منه، إلا أن المأمور به قيام أو قراءة فكذا ههنا لما قال: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} وجب أن يكون المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا لا يقال يشكل هذا بقولهم أمرته فعصاني أو فخالفني فإن هذا لا يفهم منه أني أمرته بالمعصية والمخالفة؛ لأنا نقول: إن المعصية منافية للأمر ومناقضة له، فكذلك أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به فكونه فسقًا ينافي كونه مأمورًا به، كما أن كونها معصية ينافي كونها مأمورًا بها، فوجب أن يدل هذا اللفظ على أن المأمور به ليس بفسق، وهذا الكلام في غاية الظهور فلا أدري لم أصر صاحب الكشاف على قوله مع ظهور فساده، فثبت أن الحق ما ذكره الكل وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك الأمر عنادًا وأقدموا على الفسق.
القول الثاني: في تفسير قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي أكثرنا فساقها.
قال الواحدي: العرب تقول أمر القوم إذا كثروا.
وأمرهم الله إذ كثرهم، وآمرهم أيضًا بالمد، روى الجرمي عن أبي زيد أمر الله القوم وآمرهم، أي كثرهم.
واحتج أبو عبيدة على صحة هذه اللغة بقوله صلى الله عليه وسلم: «خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة» والمعنى مهرة قد كثر نسلها يقولون: أمر الله المهرة أي كثر ولدها ومن الناس من أنكر أن يكون أمر بمعنى كثر وقالوا أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله بالمد أي كثرهم، وحملوا قوله عليه الصلاة والسلام: «مهر مأمورة» على أن المراد كونها مأمورة بتكثير النسل على سبيل الاستعارة.
وأما المترف: فمعناه في اللغة المتنعم الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش {فَفَسَقُواْ فِيهَا} أي خرجوا عما أمرهم الله: {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} يريد: استوجبت العذاب، وهذا كالتفسير لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمّهَا رَسُولًا} [القصص: 59] وقوله: {ذلك أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غافلون} [الأنعام: 131] فلما حكم تعالى في هذه الآيات أنه تعالى لا يهلك قرية حتى يخالفوا أمر الله، فلا جرم ذكر أنه ها هنا يأمرهم فإذا خالفوا الأمر، فعند ذلك استوجبوا الأهلاك المعبر عنه بقوله: {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} وقوله: {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} أي أهلكناها إهلاك الاستئصال. والدمار هلاك على سبيل الاستئصال.
المسألة الثانية:
احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة مذهبهم من وجوه: الأول: أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أراد إيصال الضرر إليهم ابتداء ثم توسل إلى إهلاكهم بهذا الطريق.
الثاني: أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى إنما خص المترفين بذلك الأمر لعلمه بأنهم يفسقون، وذلك يدل على أنه تعالى أراد منهم الفسق، والثالث: أنه تعالى قال: {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} بالتعذيب والكفر، ومتى حق عليها القول بذلك امتنع صدور الإيمان منهم، لأن ذلك يستلزم انقلاب خبر الله تعالى الصدق كذبًا وذلك محال، والمفضي إلى المحال محال.
قال الكعبي: إن سائر الآيات دلت على أنه تعالى لا يبتدىء بالتعذيب والإهلاك لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] وقوله: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} [النساء: 147] وقوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} [القصص: 59] فكل هذه الآيات تدل على أنه تعالى لا يبتدىء بالإضرار، وأيضًا ما قبل هذه الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله: {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الإسراء: 15] ومن المحال أن يقع بين آيات القرآن تناقض، فثبت أن الآيات التي تلوناها محكمة، وكذا الآية التي نحن في تفسيرها، فيجب حمل هذه الآية على تلك الآيات هذا ما قاله الكعبي، واعلم أن أحسن الناس كلامًا في تأويل هذه الآية على وجه يوافق قول المعتزلة: القفال.
فإنه ذكر فيه وجهين:
الوجه الأول:
قال إنه تعالى أخبر أنه لا يعذب أحدًا بما يعلمه منه ما لم يعمل به، أي لا يجعل علمه حجة على من علم أنه إن أمره عصاه بل يأمره فإذا ظهر عصيانه للناس فحينئذ يعاقبه فقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} معناه: وإذا أردنا إمضاء ما سبق من القضاء بإهلاك قوم أمرنا المتنعمين المتعززين الظانين أن أموالهم وأولادهم وأنصارهم ترد عنهم بأسنا بالإيمان بي والعمل بشرائع ديني على ما بلغهم عني رسولي، ففسقوا فحينئذ يحق عليهم القضاء السابق بإهلاكهم لظهور معاصيهم فحينئذ دمرناها، والحاصل أن المعنى: وإذا أردنا أن نهلك قرية بسبب علمنا بأنهم لا يقدمون إلا على المعصية لم نكتف في تحقيق ذلك الإهلاك بمجرد ذلك العلم، بل أمرنا مترفيها ففسقوا، فإذا ظهر منهم ذلك الفسق فحينئذ نوقع عليهم العذاب الموعود به.
والوجه الثاني:
في التأويل أن نقول: وإذا أردنا أن نهلك قرية بسبب ظهور المعاصي من أهلها لم نعاجلها بالعذاب في أول ظهور المعاصي منهم، بل أمرنا مترفيها بالرجوع عن تلك المعاصي، وإنما خص المترفين بذلك الأمر، لأن المترف هو المتنعم ومن كثرت نعم الله عليه كان قيامه بالشكر أوجب، فإذا أمرهم بالتوبة والرجوع مرة بعد أخرى مع أنه تعالى لا يقطع عنهم تلك النعم بل يزيدها حالًا بعد حال فحينئذ يظهر عنادهم وتمردهم وبعدهم عن الرجوع عن الباطل إلى الحق، فحينئذ يصب الله البلاء عليهم صبًا، ثم قال القفال: وهذان التأويلان راجعان إلى أن الله تعالى أخبر عباده أنه لا يعاجل بالعقوبة أمة ظالمة حتى يعذر إليهم غاية الأعذار الذي يقع منه اليأس من إيمانهم، كما قال في قوم نوح: {وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] وقال: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ من قد آمن} [هود: 36] وقال في غيرهم: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} [يونس: 74] فأخبر تعالى أولًا أنه لا يظهر العذاب إلا بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم أخبر ثانيًا في هذه الآية أنه إذا بعث الرسول أيضًا فكذبوا لم يعاجلهم بالعذاب، بل يتابع عليهم النصائح والمواعظ، فإن بقوا مصرين على الذنوب فهناك ينزل عليهم عذاب الاستئصال، وهذا التأويل الذي ذكره القفال في تطبيق الآية على قول المعتزلة لم يتيسر لأحد من شيوخ المعتزلة مثله.
وأجاب الجبائي بأن قال: ليس المراد من الآية أنه تعالى يريد إهلاكهم قبل أن يعصوا ويستحقوا، وذلك لأنه ظلم وهو على الله محال، بل المراد من الإرادة قرب تلك الحالة فكان التقدير وإذا قرب وقت إهلاك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها وهو كقول القائل: إذا أراد المريض أن يموت ازدادت أمراضه شدة، وإذا أراد التاجر أن يفتقر أتاه الخسران من كل جهة، وليس المراد أن المريض يريد أن يموت، والتاجر يريد أن يفتقر وإنما يعنون أنه سيصير كذلك فكذا ههنا.
واعلم أن جميع الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في التمسك بهذه الآية، لا شك أن كلها عدول عن ظاهر اللفظ، أما الوجه الثاني والثالث فقد بقي سليمًا عن الطعن، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
المشهور عند القراء السبعة: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} بالتخفيف غير ممدودة الألف، وروي برواية غير مشهورة عن نافع وابن عباس: {آمْرُنَا} بالمد، وعن أبي عمرو: {أَمْرُنَا} بالتشديد فالمد على الكثير يقال: أمر القوم بكسر الميم إذا كثروا وآمرهم الله بالمد، أي كثرهم الله.
والتشديد على التسليط، أي سلطنا مترفيها، ومعناه التخلية وزوال المنع بالقهر، والله أعلم.
أما قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ} فاعلم أن المراد أن الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون ويتمردون فيما تقدم من القرون الذين كانوا بعد نوح.
وهم عاد وثمود وغيرهم، ثم إنه تعالى خاطب رسوله بما يكون خطابًا لغيره وردعًا وزجرًا للكل فقال: {وكفى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا} وفيه بحثان:
البحث الأول:
أنه تعالى عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات فلا يخفى عليه شيء من أحوال الخلق، وثبت أنه قادر على كل الممكنات فكان قادرًا على إيصال الجزاء إلى كل أحد بقدر استحقاقه.
وأيضًا أنه منزه عن العبث والظلم.
ومجموع هذه الصفات الثلاث أعني العلم التام، والقدرة الكاملة، والبراءة عن الظلم بشارة عظيمة لأهل الطاعة.
وخوف عظيم لأهل الكفر والمعصية.
البحث الثاني:
قال الفراء: لو ألغيت الباء من قولك {بربك} جاز، وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم.
كقولك: كفاك به.
وأكرم به رجلًا.
وطاب بطعامك طعامًا.
وجاد بثوبك ثوبًا، أما إذا لم يكن مدحًا أو ذمًا لم يجز دخولها، فلا يجوز أن يقال: قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك، والله أعلم. اهـ.